إعادةُ تخيُّل البيداغوجيا:
مانيفستو الصَّف السايبورغيّ
المعرفة، السُّلطة والتوجُّه
في زمن تلوُّث المعلومات،
حيث تُشوّش وسائل التكنولوجيا الرقمية ذهننا بدلاً من تغذية عقولنا، نتبنى نهجًا تعليميًّا قائمًا على الاختيار الواعي—نتعامل مع المعرفة بحرص وتمعّن—وعلى التوجيه—نرسم خريطة للفُرَص في عوالم لا تزال مجهولة.
الصفّ الرقمي ليس مجرد مساحة للاستهلاك, بل منطقة لاستكشاف المعلومات بنظرة نقدية.
هدفنا ليس مجرد تلقّي المحتوى، بل الانخراط الحقيقي معه.
وهنا تكمن المفارقة: الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يجعلنا أكثر إنسانية وأكثر فضولاً في تساؤلاتنا وأكثر جرأة في استكشافاتنا، من خلال كونه مرآةً ونافذة في آن واحد.
احتِضان التَّنوُّع
ندرك أن عالمنا اليوم مزيج معقد:
لغاتنا المتعددة (العربية والعبرية والإنجليزية) تعكس سياق الواقع في القدس الذي نعيش ونتعلم فيه معاً عبر الاختلافات والتشابهات،هوياتنا تتشكل بين الحقيقي والافتراضي، وعقولنا المتنوعة (من صعوبات التعلم إلى فرط الحركة والتوحد وغيرها) تفتح لنا طرقاً مختلفة لفهم العالم.
نستلهم من هاراوي فكرة السايبورغ كحقيقة نعيشها—لسنا نتخلى عن إنسانيتنا، بل نعترف أننا منذ البداية كائنات مرتبطة بالتكنولوجيا.
التعليم كممارسةٍ تحرريةٍ
نتعلم من بيل هوكس أن:
الفصل الدراسي هو أكثر الأماكن إثارةً للتغيير.
التعليم لا يمكن أن يكون محايدًا لأنه دائمًا فعل سياسي.
التعلم الحقيقي يخاطب الإنسان كاملًا وليس عقله فقط.
نبحث عن طرقٍ تعليميةٍ تعترف بالفروقات وتخلق في الوقت نفسه مساحاتٍ للتحول الحقيقي—للطلاب الذين يدخلون الجامعةَ كأول جيل في أسرهم، لمن يتحدثون لغاتٍ متعددةً ولكل من همّشتهم الأنظمةُ التعليميةُ التقليديةُ.
ننظر للعب كتجسيدٍ حيٍّ للنظريات— حيث تتحول المفاهيم المجردة إلى تجاربَ معاشةٍ، يتيح إجراء محادثاتٍ عميقةٍ في بيئةٍ آمنةٍ ويستبدل بالفضول الأصداء المكررة التي نرددها دون وعيٍ.
التعلُّم من خلال اللعب
استلهامًا من رؤية هوكس للنظرية كممارسةٍ تحرريةٍ، نخلق مساحاتٍ يحدث فيها التعلُّم من خلال اللعب, حيث تصبح الألعاب وسائلَ لاستكشاف التضاريس الصعبة أولًا— كالصدمات والهُوية والسلطة— بعيدًا عن القوالب الجامدة والتفكير أحادي البُعد. يغدو اللعب وسيلةً تمكِّن اللاعبين من تخطي المألوف وإعادة التخيُّل معًا، مما يخلق فرصًا للتواصل تتجاوز كل القيود.
يعلِّمنا اللعب التواضعَ أمام المعرفة والمرونة العاطفية، التعامل مع التعقيدات دون المطالبة بإجاباتٍ مبسَّطةٍ، والسعي للتفاهم رغم اختلافاتنا.
يبني اللعب بيئاتٍ تحتفي بالخطأ والالتباس كجزءٍ من التعلُّم، نعبِّر فيها عن جراحنا وهشاشتنا في جوٍّ آمنٍ يحتضن الجميع، حيث يستطيع كل شخصٍ اتخاذ خطواتٍ صغيرة أو قفزاتٍ جريئة في إعادة تخيُّل طرق التفكير والتلقي والإبداع المشترك. ضمن هذه البيئة الآمنة للاستكشاف، يتحول التعلُّم من عرضٍ مخيفٍ إلى رحلةٍ ممتعةٍ.
مُجتمعات رَقمِيَّة وروح التَّضامُن
مستوحين من رؤيةِ "الجماعاتِ المتخيَّلةِ" لبندكت أندرسون،
الذي يُبرز كيف يمكنُ للخيالِ المشتركِ أن يخلقَ إمكانيَّاتٍ قويَّة،
ومن مفهومِ فيكتور تيرنر حول اللحظاتِ التحوّليةِ التي تنشأُ في المساحاتِ الانتقاليةِ،
حيث يشعر الأفراد بأنهم متساوون ومتصلين، خارج الهياكلِ الاجتماعيةِ المعتادةِ،
نعيدُ تخيلَ كيفية تحويلِ بيئاتنا الرقميةِ والماديةِ إلى منصّاتِ تبادلٍ معرفيٍّ حقيقيٍّ وهادفٍ.
تمامًا كما أدرك أندرسون أن التشكيلات الاجتماعية التي تتجاوز التجربة المباشرة تحتاج إلى خيال نشط لتتجسد، يدعو صفنا السايبورغي إلى تصور إبداعي جديد للمساحات التعليمية يتجاوز الحدود والقيود التقليدية.
اقتداءً بممارسات النشطاء الرقميين المعاصرين،
نطرح تساؤلات حول من يملك التحكم في المعرفة وكيف يتم تداولها.
لا يهمنا فقط ما تتيحه التكنولوجيا،
بل أيضًا من يستفيد منها ومن يُهمش بصمت.
الأُطُر النظرية
ليست للعثور على إجابات حاسمة،
بل لطرح أسئلة أعمق وأفضل حول كيفية تعلمنا، وعيشنا معًا،
وتطبيق طرق رؤية نقدية ونشطة عبر النظرية.
التزاماتنا
نلتزم بـ:
الانتقاء بدلًا من الاستهلاك: تطوير مهارات للتعامل مع وفرة المعلومات.
التنوع كقوة: الاحتفاء بمزج اللغات والثقافات وطرق المعرفة.
المشاركة بوعي نقدي: توثيق طرق الوصول إلى المعرفة مع دراسة الجوانب السياسية والأخلاقية لتوزيعها الرقمي.
المجتمع من خلال الاختلاف: بناء التضامن دون محو الخصوصيات.
الاستمرار في التساؤل: الحفاظ على موقف نقدي تجاه افتراضاتنا الخاصة.
الصف السايبورغي
هو عملية مستمرة لإعادة تخيل ما يمكن أن تصبح عليه عملية التعلم،
حين نتفاعل بوعي مع بعضنا البعض،
عبر امتداداتنا التكنولوجية ومن خلالها.
SAHAYA 31/03/2025
in Jerusalem القدس ירושלים